التحق بتاج الوقار 2
"أنس".. طفل كفيف بصيرته القرآن
غزة - رائد أبو جراد – الرسالة نت
"ليس معنى أنني لا أرى أن غيري من المبصرين أفضل وأحسن مني" بهذه العبارات المختصرة بدأ الطفل الكفيف أنس بلبل في العقد الأول من عمره حديثه بثقة عالية تؤكد عزمه وإصراره القوي على حفظ كتاب الله تعالى خلال صيف العام الحالي ضمن مخيمات تاج الوقار 2 التي انطلقت منتصف شهر حزيران (يونيو) الجاري.
الطفل أنس أسامة بلبل في الصف الرابع الابتدائي أصيب بعد ولادته مباشرةً بمرض السرطان ما استوجب إجراء عملية جراحية له لاستئصال مقلتي عينيه تجنباً لتفشي المرض الخطير في كافة أنحاء جسده بعد عام ونصف على إطلاله على هذه الدنيا ليبتليه الله تعالى بفقد البصر منذ الصغر.
لكن حلم "أنس" وطموحه لم يتوقف فقد عقد العزم على حفظ القرآن، وواصل ذلك الشبل مسيرته التعليمية بتفوق وذكاء كبير إلي جانب تربيته حول حلقات المساجد منذ نعومة أظافره.
**حفظ جزأين
وتمكن الطفل الغزي الذي يتلقى تعليمه المدرسي في مركز النور لرعاية المعاقين بصرياً من حفظ جزأين ونصف الجزء بعد أسبوعين فقط على انطلاق مخيمات تاج الوقار 2 لحفظ القرآن خلال مدة شهرين في مسجد عز الدين القسام بحي الدرج.
وبمجرد توجيه سؤال لأنس عن السبب الرئيسي الذي دفعه للمجئ لمخيمات حفظ القرآن يجيب أنس بصوت مرتفع قائلاً:"إلي بشوف ليس بأحسن من إلي بشوفش .. صحيح أنني أفقد نعمة البصر لكن الله تعالى أعطانى قوة في الحواس الأربعة الأخرى في اللمس والسمع والحركة".
ويبدأ مشوار الطفل بلبل مع الحفظ اليومي بالخروج من منزله بصحبة أخويه الأكبر منه سناً لأداء صلاة الفجر جماعة في المسجد ليبدأ الجدول اليومي للحفظ والمراجعة وتسميع آيات الذكر الحكيم ليتحول المسجد الحاضن لتاج الوقار بعد ساعات فقط من شروق شمس اليوم الجديد إلى خلية نحل تتنافس على حفظ القرآن وتعلم أحكامه.
ويستعين "أنس" خلال عملية الحفظ بمصحف طبع خصيصاً في المملكة العربية السعودية للمكفوفين يمكنهم من حفظ آيات الله عبر طريقة بريل الخاصة بالمعاقين بصرياً، ومع بدء التلاوة تجد "أنس" يحرك أنامله الناعمة بكل سهولة ويسر على كلمات المصحف البارزة.
ويشير إلى أنه بدأ يتعلم على طريقة بريل للقراءة منذ دخوله المرحلة التعليمية الأساسية، لتتطور موهبته وتنمو أفكاره المخفية خلف ظلام البصر الذي حوله نور البصيرة لديه إلى موهبة وذكاء حاد اتصف به منذ صغره.
**يرتل الآيات
بعد لحظات من حديث "الرسالة نت" له قام أنس لوحده ودون مساعدة من أحد من الجالسين حوله بفتح المصحف الذي أهدي له من مركز النور وبدأ عبره يرتل آيات من سور القرآن القصيرة، ليظهر إلى جانب تمكنه من الحفظ نبرات صوته الجميل لتتكشف بذلك مواهب جديدة لديه.
وأكد الطفل بلبل الذي يعاني من فقد كلي للبصر أنه يتمكن يومياً من إتمام حفظ أربع صفحات من كتاب الله تعالى ويقوم محفظه بتسميع الآيات التي استطاع تثبيتها خلال ساعات عمل المخيم.
وأضاف:" قدمت للحفظ في هذا المخيم حتى أتعلم خلاله تلاوة وحفظ القرآن إضافة إلي الترفيه واللعب مع زملائي الطلاب بعد أن أتم عملية الحفظ اليومي"، موضحاً أنه حصل على معدل 95% خلال دراسته في الصف الرابع خلال العام الماضي.
وتابع أنس:"ذهبت أنا وأخي الأكبر بعد انتهائي من دراستي لجمعية دار القرآن الكريم والسنة في منطقتنا ليتسنى لي التسجيل في مخيمات تاج الوقار2 بعد تشجيع كبير من أسرتي للالتحاق بالمخيمات القرآنية الصيفية لحفظ القرآن، والتحقت على حسب قدراتي لحفظ 10 أجزاء خلال المخيم الذي يستمر مدة شهرين"، شاكراً القائمين على هذه المخيمات لأدائهم المتواصل لرفعة الدين وحصولهم على شرف خدمة الحافظين لكتاب الله تعالى.
بدأ الطفل بلبل طريقه مع حفظ آيات الله تعالى والتعلم حول حلقات الذكر والسيرة النبوية العطرة وهو في سن السابعة عندما قدم مع أخيه الأكبر بهدف حفظ القرآن الكريم في المسجد القريب من منزله.
** طموح وحلم
طموح الطفل الكفيف لم يتوقف عند دراسته الأساسية أو حفظ كتاب الله فقط، فهو يحلم أن يصبح في المستقبل أستاذاً جامعياً يدرس الطلبة ويوجههم ليكون مرشداً ومعلماً رغم إعاقته، مشدداً خلال حديثه على أن فقدان البصر لن يقف عائقاً أمام حلمه.
المحفظ محمود مدوخ المشرف على تعليم "أنس" كتاب الله تعالى قال:"بدأ بداية جيدة في الحفظ على الرغم من أنه كفيف، يحفظ السورة من أول مرة ويأتي ليسمعها مباشرةً"، مبيناً أنه يراعي ظروف الطفل ويسعى دائماً على تشجيعه وتحفيزه خلال المخيم.
أما عامر عجور مشرف مخيم تاج الوقار 2 في المسجد، فأكد أن اكتشاف موهبة مثل الكفيف أنس ليس غريباً على عزيمة وإصرار أبناء الشعب الفلسطيني، قائلاً:"أبى هذا الطفل إلا أن يلتحق بالمخيم وأصر وعزم على حفظ القرآن الكريم وعلى منافسة الطلاب الأصحاء".
ورأى أن الطفل بلبل من أكثر الطلاب المتميزين في المخيم نتيجة حفظه وتثبيته القوي لآيات القرآن الكريم، متمنيا أن تتحقق أحلام وطموحات "أنس" في حفظ كتاب الله.
